المسئولية الجنائية للسكران بإختياره
بقلم د/ ياسر الأمير فاروق - المحامي بالنقض
من الثابت علمياً أن الإفراط في تناول المواد المخدرة أو المسكرة يفضي إلى خلل في القدرات الذهنية وفي سيطرة الشخص على ما يصدر عنه من أفعال، ومقتضى ذلك رفع المسئولية الجنائية عن السكران فيما يرتكبه من جرائم سواء أكان قد تناول المخدر أو المسكر قهراً عنه أو بإختياره. غير أن المشرع في المادة 2/62 عقوبات رفع المسئولية عن السكران إذا ما تناول المخدر أو المسكر قصراً عنه فدل بمفهوم المخالفة على مسئولية السكران بإختياره، وليس في الفقه في هذا الشأن خلاف بل هو أيضاً مذهب القضاء.
ولكن محكمة النقض لم تطلق هذا النظر بالنسبة لكل الجرائم العمدية بل قصرته على طائفة منها وهي الجرائم التي يكنفي فيها القانون بالقصد العام أما حيث يشترط القانون لوقوع الجريمة قصداً خاصاً فإن مسئولية السكران لا تتحقق بالنسبة لهذا القصد اللهم إلا إذا تناول المسكر أو المخدر ليقوي عزيمته على إرتكاب الجريمة إذ عندئذ يعتبر مسئولاً عن هذه الجريمة ولو كان القصد فيها خاصاً ( نقض 1947/4/1 مجموعة القواعد القانونية جـ7 رقم348 ص331؛ نقض 1950/6/12 مجموعة أحكام النقض س1 رقم246 ص754؛ نقض 1969/1/13 س20 رقم23 ص104 ).
والفقه مجمع على تخطئة هذا القضاء والرأي فيه أن التفرقة في الحكم بين القصد العام والخاص تحكمية وأنه كان يتعين على محكمة النقض أن تسوي بين القصدين لأنهما من طبيعة واحدة فكلاهما يقوم على العلم والإرادة.
ونعتقد أن تقرير مسئولية السكران بإختياره بوجه عام وفقاً لمفهوم المخالفة للمادة 2/62 عقوبات هو من الأمور التي يمكن أن تثير شبهة عدم الدستورية لأن المشرع افترض القصد لدى السكران بإختياره افتراضاً لا يقبل إثبات العكس حال أن السكر يمكن في بعض الأحيان أن يعطل الإرادة التي هي مناط التأثيم طبقاً لما أطرد عليه قضاء المحكمة الدستورية ( حكم المحكمة الدستورية العليا في 1995/7/3 القضية رقم25 لسنة 16ق؛ وحكمها في 1995/12/2 القضية رقم28 لسنة 17ق؛ وحكمها في 1996/6/15 القضية رقم49 لسنة 17ق؛ وحكمها في 1997/2/1 القضية رقم59 لسنة 18ق ).
وإلى أن تقول المحكمة الدستورية العليا كلمتها فإنه يجب على القاضي بحث كل حالة على حده فإن ثبت توافر الإرادة قامت المسئولية وإن تخلفت انعدمت المسئولية العمدية والخطئية على السواء.
تعليقات
إرسال تعليق