نبذة حول حصانة المحامي في جرائم الجلسات " ما بين الدستور وقانوني المحاماة والإجراءات الجنائية "
بقلم د/ ياسر الأمير فاروق
الأصل هو الفصل بين سلطتي الإتهام والحكم بمعني أن من يتهم يحظر عليه الفصل في الدعوي موضوع الإتهام حتي لا يتأثر بالاتهام الذي سبق أن نسجه فيضحي غير محايد حال أن حياد القاض شرط لصحة المحاكمة المنصفة وهو ما أكده الدستور في المادتين 94 و96.
غير أن المشرع خرج عن هذا بالنسبة للجرائم التي تقع في الجلسة وكذا بالنسبة للتشويش الحادث في اثنائها؛ فخول للمحكمة أقامة الدعوي في الحال والحكم علي المتهم بأربع وعشرين ساعة بالنسبة للتشويش وبعقوبة الحبس أو الغرامة بالنسبة الجنح والمخالفات وذلك ما لم تكن جريمة الجلسة جناية إذ لا تملك المحكمة تحريك الدعوي والحكم فيها وانما تأمر بالقبض علي المتهم وتحرر مذكرة بالواقعة وتحيلها للنيابة العامة صاحبه الاختصاص الأصيل في التحقيق والاتهام ( المادتين 243 و244 إجراءات جنائية ).
ولقد قيل في تبرير سلطة المحكمة بصدد جرائم الجلسات أن حدوث تشويش أو جريمة في حضرة المحكمة ومنع المحكمة من القبض علي المتهم ومحاكمته فوراً ينال من مكانة القضاء وما له من هيبة واحترام في نفوس جمهور الحاضرين بالجلسة، وهو أمر لم يجد المشرع مفر من تقريره علي غضاضة من نفسه رغم ما فيه من إخلال بحياد القاض ومبادئ المحاكمة المنصفة.
واياً ماكان وجه الرأي في صواب نظر المشرع سالف الذكر فإن المشرع لاحظ من ناحية أخري أنه من المتصور أن يقع التشويش أو الجريمة من محام بمناسبة أداء واجبه في الدفاع بالجلسة، وان تخويل المحكمة القبض عليه وحبسه ومحاكمته عندئذ يجعل موقف المحامي بالغ الحرج أمام المتهم وجمهور الحاضرين؛ اذ بدل من اخلاء المحامي سبيل المتهم شرف بجانبه في السجن!! ولا يعقل أن يأمن محام في أداء واجب الدفاع وهو مهدد بالقبض والمحاكمة في الحال عن تشويش أو جريمة انجرف اليهما في غمره الدفاع عن الحق ونصره المكلوب؛ ولهذا نص المشرع في المادة 245 إجراءات علي انه استثناء من احكام المواد السابقة ( والتي تجيز القبض علي من يرتكب في الجلسة جريمة أو تشويش يخل بالجلسة ) علي ما موداه انه إذا وقع من المحامي بمناسبة أداء واجبه في الجلسة تشويش أو جريمة بالجلسة فلا يجوز للمحكمة القبض عليه واقامه الدعوي ضده والحكم عليه وانما تحيله الي النيابة العامة إذ كان ما وقع منه جريمة والي رئيس المحكمة إذ كان ما وقع منه مخالفة تأديبية، فإن خالفت المحكمة هذا الحظر والقت القبض علي المحامي أو حاكمته فإن حكمها يكون باطل بطلان مطلق وجاز مخصماتها. وليس في الفقه في هذا الشأن خلاف وتستقر عليه أحكام النقض باطراد. ويطلق علي المادة 245 إجراءات - التي خال للبعض لزوم الغائها - انها تقرر حصانه للمحام داخل الجلسة - ولقد اقر قانون المحاماة هذه الحصانة في المادتين 49 فقره ثانيا و50 بتفصيل أوفي وجاء دستور 2014 في المادة 198 ليرتقي بهذه الحصانة الي مصاف المبادئ الدستورية للاعلاء من قدرها ولتكون خط احمر أمام المشرع.
وما نشر علي صفحات التواصل الاجتماعي من فساد المواد المشار اليها في قانون الإجراءات الجنائية ووجوب الغائها هي دعوة في ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب اذ تعني الغاء حصانة المحامي داخل الجلسة. انتبهو أيها الزملاء اللهما قد بلغت اللهما فاشهد.
تعليقات
إرسال تعليق