ترحيل اجازة عيد العمال الي يوم الخميس

بطلان إجراءات القبض والتفتيش متعلقة بالنظام العام

محكمة النقض في حكم تاريخي حديث تصرح باعتبار بطلان إجراءات القبض والتفتيش متعلقة بالنظام العام وتسوغ لنفسها التعرض لمشروعيتها ونقض الحكم لصالح المحكوم عليه بناء على طعن النيابة العامة الهادف لتشديد العقاب ولو لم يطعن هو ذاته بالنقض


بقلم الدكتور/ ياسر الأمير فاروق - المحامي بالنقض


جاء بحكم حديث لمحكمة النقض أن لهذه المحكمة الفصل فى الطعن على ما يتفق وحقيقة العيب الذي شاب الحكم، متى اتسع له وجه الطعن وان للمحكوم عليه الذي لم يطعن بطريق النقض الاستفادة من الطعن المرفوع من النيابة العامة وان لمحكمة النقض التعرض من تلقاء نفسها لعدم توافر أركان الجريمة أو عدم العقاب على الواقعة أو بطلان إجراءات القبض والتفتيش والقضاء بنقض الحكم وببراءة المتهم دون التقيد بأسباب طعن النيابة العامة متى كانت الوقائع التي حصلها الحكم دالة بذاتها على بطلانه طبقاً للمواد 34، 35، 46 من قانون الإجراءات الجنائية المعدل بالقانون رقم 37 لسنة 1972.
واضافة ان مجرد هبوط المطعون ضده من السيارة والفرار من الكمين، لا يبرر القبض عليه وتفتيشه وانتهت النقض إلي ان قضاء الحكم المطعون فيه بإدانته واطراحه الدفع ببطلانه وما تلاه من إجراءات استناداً لصحة ذلك الإجراء وشهادة من أجراه خطأ فى تطبيق القانون وتأويله يوجب نقضه والحكم ببراءته مادام لا يوجد في الدعوي دليل آخر. 
وجاء بحكم النقض انه لما كان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى فى قوله : " .. أنه أثناء قيام الضابطين ....، .... بمباشرتهما لأعمال كمين أمنى لضبط الأشخاص والسيارات المخالفين أسفل كوبرى .... استوقف الضابط الثاني إحدى السيارات لفحصها وآنذاك أبصر الضابط الأول المتهم .... يقوم بالهبوط من السيارة والفرار من مكان الكمين فتمكن من استيقافه وآنذاك أبصر انبعاج كبير بجيب بنطاله فقام بتفتيشه وقائياً فعثر بجيب بنطاله على كيسين يحتويان على كمية من مخدر الهيروين ، وآنذاك قام بضبطه وتسليمه لقسم شرطة .... . " وحصل الحكم أقوال الضابطين بما لا يخرج عن مؤدى ما أورده فى معرض سرده لواقعة الدعوى ، ثم عرض لدفاعه ببطلان إجراءات القبض والتفتيش وما تلاهما من إجراءات واطرحه بعد أن أورد بعض المبادئ القضائية فى قوله : " ... ولما كان ذلك ، وكان البين من الأوراق أن ضابط الواقعة أبصر المتهم يهبط من السيارة ويفر منها أثناء وقوفها بالكمين الذى أعدته الشرطة لفحص الأشخاص والسيارات فتمكن من استيقافه للاستفسار ولاستبيان سبب فراره فلاحظ أثناء ذلك انبعاج كبير بملابسة فقام بتفتيشه بقصد التوقي والتحوط منه خشية أن يكون محرزاً سلاح أو ذخيرة يعتدى بها عليه للفرار ، ومن ثم فإن استيقاف المتهم وتفتيشه وقائياً والعثور معه على مخدر الهيروين يكون صحيحاً ويكون القبض والتفتيش وما تلاهما من إجراءات تكون صحيحة ووفقاً للقانون ، ويكون ما ينعاه الدفاع فى هذا الشأن على غير سند من الواقع والقانون ".


ثم خلصت المحكمة لإدانته بعقوبة السجن المشدد لمدة عشر سنوات وتغريمه خمسين ألف جنيه عن إحرازه جوهر الهيروين المخدر بغير قصد من القصود المسماة فى القانون . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن لمحكمة النقض أن تفصل فى الطعن على ما تراه متفقاً وحقيقة العيب الذى شاب الحكم متى اتسع له وجه الطعن ، وكان من المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن للمحكوم عليه الذى لم يطعن بطريق النقض فى الحكم الصادر ضده أن يستفيد قانوناً من الطعن المرفوع من النيابة العامة ، فإذا قضت محكمة الموضوع بالإدانة على متهم فى جريمة ما ثم طعنت النيابة العمومية طالبة الحكم بتشديد العقوبة تطبيقاً للقانون ، ورأت محكمة النقض عدم توافر أركان الجريمة أو أن الواقعة لا عقاب عليها ، أو بطلان فى إجراءات القبض والتفتيش بحسبانه أمراً يتعلق بالنظام العام لمحكمة النقض أن تعرض له من تلقاء نفسها متى كانت الوقائع التي حصلها الحكم داله بذاتها على بطلانه – وهي كلها أمور تتصل بتطبيق القانون على وجه صحيح على واقعة الدعوى – تعين عليها أن تنقض الحكم برمته والحكم ببراءة المتهم إن هي رأت ذلك ، ولا يصح القول بأن محكمة النقض تتقيد بأسباب الطعن المرفوع من النيابة العامة وأنه لا يجوز لها الخروج على هذه الأسباب والتصدي لما يشوب الحكم من أخطاء فى القانون طبقاً لنص المادة 35/2 من القانون 57 لسنة 1959 فى شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض إلا أن يكون ذلك لمصلحة المتهم ، ولم ينص فى التقرير أنه عن واقعة معينة دون أخرى من الوقائع محل المحاكمة ، وكان طعن النيابة العامة بالنقض لا يخصص بسببه وإنما هو ينقل الدعوى برمتها إلى محكمة النقض لمصلحة أطراف الدعوى جميعاً فيما يتعلق بالدعوى الجنائية فتفصل فيها بما يخولها النظر فى جميع نواحيها غير مقيدة فى ذلك بما تضمنه النيابة فى تقرير الطعن بالنقض ، كما لا يصح النعي على المحكمة وهي فى سبيل ممارسة حقها ذلك بأنها قد تجاوزت سلطاتها ، إذ أن فى ذلك ما يجر فى النهاية إلى توقيع العقاب على متهم برئ رغم بطلان تلك الإجراءات ، وهو أمر تأباه العدالة وتتأذى منه الجماعة ، وهو ما يتحتم معه إطلاق يد القاضي فى تقدير سلامة الدليل وقوته دون قيد عدا الأحوال المستثناة قانوناً . لما كان ذلك ، وكانت المادتان 34 ، 35 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلتان بالقانون رقم 37 لسنة 1972 المتعلقتان بضمان حريات المواطنين لا تجيزان لمأمور الضبط القضائي أن يقبض على المتهم إلا فى أحوال التلبس بالجنايات والجنح المعاقب عليها بالحبس مدة تزيد على ثلاثة أشهر إذا وجدت دلائل كافية على اتهامه ، وقد خولته المادة 46 من القانون ذاته تفتيش المتهم فى الحالات التي يجوز فيها القبض عليه قانوناً ، أياً كان سبب القبض أو الغرض منه ، وكان سند إباحة التفتيش الوقائي هو أنه إجراء تحفظي يسوغ لأي فرد من أفراد السلطة المنفذة لأمر التفتيش القيام به درءاً لما يحتمل من أن يلحق المتهم أذى بشخصه من شيء يكون معه أو أن يلحق مثل هذا الأذى بغيره ممن يباشر القبض عليه ، فإنه بغير قيام مسوغ القبض القانوني لا يجوز لمأمور الضبط القضائي القيام بالتفتيش كإجراء من إجراءات التحقيق أو كإجراء وقائي ، وكان من المقرر قانوناً أن التلبس صفة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها مما يبيح لمأمور الضبط القضائي الذي شاهد وقوعها أن يقبض على كل من يقوم دليل على مساهمته فيها وأن يجري تفتيشه بغير إذن من النيابة العامة ، وأنه وإن كان تقدير الظروف التي تلابس الجريمة وتحيط بها وقت ارتكابها ومدى كفايتها لقيام حالة التلبس أمراً موكولاً إلى محكمة الموضوع إلا أن ذلك مشروط بأن تكون الأسباب والاعتبارات التي تبنى عليها المحكمة تقديرها صالحة لأن تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها . لما كان ذلك ، وكانت صورة الواقعة كما حصلها الحكم المطعون فيه فى مدوناته وما حصله من أقوال الضابطين – على السياق المتقدم – لا تنبئ عن أن جريمة إحراز المخدر التي دين بها المطعون ضده كانت فى حالة من حالات التلبس المبينة على سبيل الحصر فى المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية ، إذ لا يبين منه أن الضابط قد تبين أمر المخدر قبل إمساكه بالمطعون ضده ، وكان مجرد هبوط المطعون ضده من السيارة والفرار من مكان الكمين ليس فيه ما يبرر القبض عليه وذلك لما هو مقرر فى قضاء هذه المحكمة من أنه ليس فى مجرد ما يعتري الشخص من مظاهر الحيرة والارتباك مهما بلغا ما يوفر الدلائل الكافية على اتهامه بالجريمة المتلبس بها ويبيح من ثم القبض عليه وتفتيشه . لما كان ذلك ، فإن القبض على الطاعن يكون قد وقع فى غير حالة تلبس بالجريمة ، ومن ثم فإن ما وقع فى حقه هو قبض باطل وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر ، وجرى فى قضائه على صحة هذا الإجراء واطرح الدفع ببطلانه وما تلاه من إجراءات ، فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون وتأويله بما يوجب نقضه . لما كان ذلك ، وكان بطلان القبض والتفتيش مقتضاه قانوناً عدم التعويل فى الحكم بالإدانة على أي دليل يكون مستمداً منهما ، وبالتالي فلا يعتد بشهادة من قام بهذا الإجراء الباطل ، ولما كانت الدعوى حسبما حصلها الحكم المطعون فيه لا يوجد فيها من دليل سواه ، فإنه يتعين الحكم ببراءة المطعون ضده عملاً بالفقرة الأولى من المادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 ، ومصادرة المخدر المضبوط عملاً بنص المادة 42 من القانون 182 لسنة 1960 المعدل ( نقض 2017/4/15 الطعن رقم 6198 لسنة 84ق ).

وهذا القضاء يعلي من قيمه الحريات ويرسخ لدعائم الدوله القانونية التي يضيرها ادانه شخص بناء علي إجراءات غير مشروعه ولو لم يطعن في حكم الادانة بل كان الطاعن خصمه اي النيابة العامة. كما يمثل هذا القضاء استجابه لامل ظل يرواد الفقه ويصبوا إليه ويحث محكمة النقض علي تقريره وهو اعتبار بطلان إجراءات القبض والتفتيش من النظام العام بما يتيح الدفع بالبطلان لاول مره أمام محكمة النقض ويسوغ لمحكمة النقض التعرض لهذا البطلان من تلقاء نفسها ولو لم يثر في صحيفة الطعن أو يدفع به أمام محكمة الموضوع. وهو ما يوكد ان محكمة النقض لا تنفصل عن الفقه ولا تعمل بمعزل عنه بل تتأثر به أن اقتنعت بنقده وصواب حجته ويشجع الفقه الي التعليق علي احكامها. ان تحقيق العداله والنظر إلى استواء حكم القانون لهو شراكه بين الفقه والقضاء.

تعليقات